صوت الصعيد

الجمعة، 18 أكتوبر 2024 11:27 ص
صوت الصعيد
جرأة .. موضوعية.. التزام
  • موتورولا
  • صنع في مصر
رئيس مجلس الإدارةمحمد رفيعرئيس التحريرمحمد عبد اللاه

أهم الأخبار

    مقالات

    حنين الأمكنة والأشياء

    صوت الصعيد

    بقلم- محمود طلبه الفار:

    لم يكن أبدا مجرد مكان يحتوينى،بكل نزقى وإنفعالاتى وهدوءي،بل هو قطعة عزيزة من القلب والعقل،ومرحلة من العمر كانت ،وكانت هى أحلى العمر قياسا بما تلاها..يالا صداقة الأشياء....

    تغيرت الظروف كدأبها،ورحل من كانوا يؤنسون وحدتك وأصر ذووك على أن تغير عشك وعيشتك لتبقى بينهم ليكفلوا لك الونس والرعاية...لكنك لا تلبث أن تطير إلى هناك،حيث كتبك ومكتبتك وذكرياتك آملا أن تستعيد لحظات مرت..

    هذا الكتاب الذى ينظر إلى بشوق يذكرنى بقصة إقتنائه،كنت مازلت حديث العمر عندما قرأت عنه فى إحدى الجرائد الورقية،صممت على إمتلاكه وضمه الى مملكة قراءاتى البسيطة وقراءته بتمعن وتفحص محاولا الوقوف على أسباب مكانته بين أقرانه من الكتب،يعدونه من عيون السرد،لم أكن أملك ثمنه كاملا فى وقتها،بحثت عنه فى سور الأزبكية وتنقلت بين باعة الكتب ،الذين يعرف أغلبهم أهمية كل كتاب لديهم وإن بدوا لك غير ذلك عندما تفاصلهم فى ثمن الكتاب،ولكنها"الحداقة"المصرية التى تعرف نهاية ونية كل من يحاورك،مهما ظن انه يخدعك بينما أنت تعرفه وتعرف نواياه ربما أكثر مما يعرف نفسه ذاتها

    لا يمكنك أن تحصل على الكتاب إلا بالثمن الذى يحددونه،وأكثرهم يدلك على مكان البائع الذى يمكن أن تجد ما تبحث عنه لديه، إنتقل معى فى كل مكان عملت به،ومعه ثلاثة كتب،كان قد أهدانيها عميد الكلية موقعة منه واصفا إياى بالزميل!! ،العالم الأديب،أستاذى الذى أدين له بالكثير،الدكتور العظيم/احمد مستجير،وله نظريات تدرس بإسمه فى كبرى جامعات العالم،وكان صديقى الذى أخذ بيدى وجعلنى احب القراءة والشعر،.وقتها كنت مجرد أحد طلابه الذين يعدون بالمئات،وربما بالآلاف وليته عرف أثر كلمة الزميل هذه ولكنه كان يشعرنى دائما باننى اكبر من ذلك

    وأخيرا آثرت هذه الكتب ان تستقر فى مكتبتى المتواضعةمتعددة الاماكن حيث فشلت فى تجميعها فى مكان واحد وضاقت المكتبة الخشبية بهم بعدما تكاثروا وزادوا مع العمر،حتى أجبرت على فراقها لأعود اليها حينا فحينا،يذكرنى بعضها بقصة إقتنائه ويلح على أن أصحبه كما عودته،هذه دواوين الشعر ،القديم والحديث وشروحها،هنا ينتظرنى المتنبى ويده فى يد/أمل دنقل،ونزار قبانى،ومحمود درويش،بينما يجالسهم/محمود حسن إسماعيل،على محمود طه،وشوقى،والعقاد،والجواهرى وأدونيس وحجازى وعبد الصبور والشابى يجاورون ابن الرومى وجرير والنابغة والفرذدق والأخطل وناجى وكلهم يستنكرون

    خصومة العقاد وشوقى الادبية،وإنكار العقاد إمارة شوقى لدولة الشعر،هنا يلتقون،جنبا إلى جنب مع إمرأ القيس،وعنترة،وطرفة بن العبد، والنواسى،جنبا الى جنب خيرى شلبى،ومحفوظ،وادريس،..وذكى نجيب محمود ولويس عوض والحكيم وخيرى شلبى وبهاء طاهر وغيرهم كثر.

    هنا شيكسبير ومورافيا واورهان باموق وتشيكوف ودويستوفسكى وادجار آلان بو،وتورجنيف،الى جوار التابعى وهيكل ومحمود عوض،هنا كيتس يجلس وهو يرنو الى احلام مستغانمى ويهم أن يشاكسها بينما ينصت الطيب صالح والفيتورى الى حديثهما دون تعليق..وفى صمت يمسك ماركيز بخريف البطريرك وأحداث موت معلن.

    حقا ما أضيق العمر،وما أقصره،لولا الكتب تمنحنا أعمارا تضاف الى أعمارنا لا تخضع لمقاييس الوقت والساعة واليوم والشهر والسنة وتلك الحسابات الضيقة..

    هنا كنت أجلس،على نفس هذا المقعد،بينما كانت هى تعد لى فنجان القهوة الفاتحة المضبوط، كان يبهجنى بالرائحة التى تتسرب الى المزاج فتعدله وتنعشه بمجرد أن تضع الفنجان مستقرا فوق طبقه الصغير امامى على الطقطوقة المستديرة الصغيرة،من يفعل ذلك اليوم؟ لا أحد....ومن يلق تحية الصباح،ومن يقول إرحم عيناك من القراءة قليلا،ومن يقول الغداء جاهز فلتؤجل القراءة والكتب لن تطير فليست لها أجنحة ،ومن يقول هذا الجاكت لا يلائم القميص او البنطلون،وهذا الكرافت يبدو صبيانى ،الأزرق يبدو أفضل،ومن؟ومن؟........

    بالفعل كما قالت الشاعرة السورية:اصعب انواع الوداع وداع الأمكنة التى لا تمتلك القدرة على التعبير عن مرارة الفقد..وأضيف أن الأصعب هو ملاحقة الذكريات لنا.

    هكذا نحن،لا ينطفئ أوار الشوق إلى اماكن عشنا بها،وكانت لنا فيها أيام،مرت وتولت مسرعة كجداول الربيع،او اماكن مررنا بها وألتقينا أناسا مثلنا وربما أكثر رقيا منا،تعلمنا منهم وتركوا بصماتهم على جينات حياتنا حتى توحدت كياناتنا ،وصاروا مكونا من مكونات ذاتنا عصى على النسيان وأقوى من الزمن والأيام،إنسان لا ننساه وجدنا نفسنا التى كانت تائهة ،وكنا نبحث عنها عندما عرفناه،كتاب قرأناه،رواية عشنا فيها ومعها،قصيدة تجاوبت فاصلاتها القوية كجناحى صقر أسطورى مع حروف أشجان الروح حتى سكنتها فى عز أيام العنفوان،أو حتى مقال وربما تعليق على بعض ما نكتب،نشعر بصدقه ونصدقه عندما نبوح على الورق او على الفيس..

    تظل الأمكنة كالناس بعضها نحبه وبعضها لانألفه من اول لقاء بينما البعض لا يمكن تصور حياتنا بدونه كالوطن،يموت الانسان ولا يغادر وطنه،هذا أفضل كثيرا،ويبقى الحنين لمن يقنعنا فكرهم وتعجبنا توجهاتهم اولئك الذين ٱدخرهم الزمان لنا ليمنحنا وجودهم وابداعاتهم الأمل فى الحياة،بعضهم رحل والبعض مايزال وجوده وتواصله يمنحنا الأمل. ،أولئك الذين يستعمرون الذاكرة بكل ترحاب وحتى آخر العمر،والشوق الدائم لهم وللأمكنة التى إلتقينا بهم فيها،ونستمر فى مكابدة الشوق نلوذ بالمثاقفات فى محاولة لتسكين الحنين الذى ندرك جيدا أنه بدونه تفقد الحياة معناها وطعمها.......

    أمل دنقل-سور الأزبكية-كتب

    مقالات

    الأعلى قراءة

    آخر موضوعات