صوت الصعيد

السبت، 21 ديسمبر 2024 04:19 م
صوت الصعيد
جرأة .. موضوعية.. التزام
  • موتورولا
  • صنع في مصر
رئيس مجلس الإدارةمحمد رفيعرئيس التحريرمحمد عبد اللاه

أهم الأخبار

    مقالات

    مساءات قاسية

    صوت الصعيد

    قصة قصيرة بقلم:محمود طلبة الفار

    يذداد الليل الحالك سوادا،بينما يبدو الفضاء مذدحما بكائنات خرافية لا تعرف الرحمة تمسك بأسواط قاسية تلهب بها الظهور بدون توقف ولا تمييز...تبدو الكلمات كالصفعات تنهال على رأسه التائه بينما يندفع إلى "الدكان"

    -أيلجأ إلى دكان المحروق،هذا جنون!

    -ربنا يعينه ماذا سيفعل؟حمله ثقيل.

    -ليس لدرجة أن يشتر الشيئ ويبيعه بأقل من ربع ثمنه فى جلسة واحدة..

    بينما يهمس من يدعى العقل والحكمة:ياسادة..الضرورات تبيح أكثر من ذلك.

    -من يدرى؟ربما مريض يحتاج علاجا،أو دينا مستحقا فى وقت صعب،بل غاية فى الصعوبة.

    لو رأيت وجهه الهضيم،وجلبابه الكالح الذى لايمكنك أن تميز له لونا،المتدلى الجيب دائما،والمشرشب الذيل،والشبشب الممزق فى قدميه وأردت أن تنحت تمثالا للفقر مجسدا فى صورة آدمية لما ترددت فى إتخاذه موديلا،حتى أظافره السوداء التى تبدو وكأنها لم تقص منذ شهور كانت كافية للدلالة على حاله،ذهب يجر قدميه جرا إلى المحل المفتوح والمضاء بلمبات كبيرة أكثر من إحتياج المكان الذى يبدو مذدحما،بعد أن تيقن أنه السبيل الوحيد المتاح،وجده مذدحما بالثلاجات الحديثة والقديمة ،وبعض المراوح،وعدد محدود من أجهزة التليفزيون من الماركات غير الشهيرة،كلها مرصوصة فوق أرضية الدكان،فوق قطع السجاد الحائلة المتربة التى تكسو الأرضية،ربما لو كنت معتاد الذهاب الى هذا الدكان لأمكن لك ان تلاحظ أن مابه من اجهزة لا تنقص ابدا ولا تتغير،ربما منذ سنوات،حتى اطلق عليه سكان الحى لقبا لايتغير حيث أسموه"دكان المحروق",وعندما دخل إلى المحل كان المكتب القديم الخشبى فى مواجهته فى صدر الدكان وخلفه يجلس مولانا كما كانوا يسمونه،وخلفه تاريخ طويل من التقلب فى شتى المهن بعد فشله فى التعليم،يجلس بذقنه الطويلة والمسبحة فى يده والسواك فى جيب جلبابه الازرق،بينما تتوسط جبهته"زبيبة" واسعة تلمع دائما،وأمام المكتب كرسيان من الخيزران قديمان،جلس القادم على أحدهما،كذبيحة تسلم رقبتها بعد أن ألقى السلام،وأذن له بالجلوس،وفور جلوسه بادره الرجل خلف المكتب قائلا

    -إجلس يا أخى..إسترح،بإذن الله مشكلتك محلولة.

    وما كادت الطمأنينة تسرى فى أوصاله ويلتقط انفاسه حتى بادره الرجل خلف المكتب

    -الأول سمعنا الصلاة ع النبى

    -عليه الصلاة والسلام،اللهم صل وسلم وبارك عليه..

    -بإذن الله مشكلتك ستحل الليلة،قبل ان تقوم من مكانك.

    ثم عاجله بسؤال-كم معك؟

    رد الرجل ذو الجلباب الكالح-معى خمسمائة جنيه هى كل ما إستطعت تدبيره.

    رد الرجل-خير بإذن الله،سنعتبرها مقدم للثلاجة،وثمنها عشرة آلاف جنيه فقط،ولابد أن نكرمك فى أول تعامل بيننا،وتوقع على إيصالات امانة بباقى المبلغ،على أقساط شهرية تسدده،وعليك فقط أن تحضر إحدى عربات الكارو لتنقلها خارج المحل وتذهب بها للحاج/عتمان المجاور لنا ليدفع لك ألفين من الجنيهات لحل مشكلتك بإذن الله،....

    صاغرا وافق،وصاغرا وقع على الإيصالات والشيكات وبصم أيضا،وعندما هم بالقيام بعد ان دفع الخمسماية جنيه ليحضر إحدى العربات الكارو من قبلى البلد إذا بصاحب الزبيبة،وفى نوبة كرم مبالغ فيه يقول له:

    -إنتظر يا أخى،سأتصل لك بأحدهم،يحضر خلال دقائق،والمكالمة أيضا علينا ثم أضاف:

    -نتعامل بالفضل وليس بالعدل،نحن فى خدمة المحتاجين..

    لحظات وتحركت العربة الكارو محملة بالثلاجة وخلفها يسير الرجل بجلبابه الكالح كأنه يسير فى جنازة إلى دكان الحاج/عتمان الذى يبعد أقل من خمسين مترا عن مكان الشراء،ودون كلمة واحدة تم إنزال الثلاجة ووضعها فى دكان الحاج/عتمان تمهيدا لإعادتها خلال ساعات إلى مكانها الأول،ينصرف الرجل بعد أن عد "الألفين جنيه"أكثر من مرة وهو يردد فى سره بينما يكاد ينفجر:

    -حسبنا الله ونعم الوكيل

    ... تمت.

    الليل-صوت الصعيد-قصة قصيرة

    مقالات

    الأعلى قراءة

    آخر موضوعات