أيُّكم يأتيني بزوجة مصرية؟؟!!
صوت الصعيدبقلم - الدكتور أيمن عبد العظيم :
يا سَعدَ من لديه زوجة صالحة! ويا حَظَّ من اختارت له أمُّه هذه الزوجة! هكذا تقول تعبيراتنا الشعبية، وعلى مثل هذه التعبيرات أقامت ثقافتنا الشعبية صروحًا راسخة من احترام الزوجة المصرية وتقديرها.
ولكنَّ أعمال الزوجة المصرية في إدارتها للمنزل وفي أدوارها الاجتماعية لم تكن لتظهر على نطاق واسع قبل أن تلتحقَ البناتُ بالتعليمِ العامِ، أي قبل مشاركة المرأة في بناء الوطن ونهضته يدًا بيدٍ مع الرجل، فقد ظلّتَ أعمالها الكبيرة وملامح نبوغها غير مدونة حتى خرجت المُدوَّنات الصحفية والأدبية ، وألقت الضوءَ على النابغاتِ من النِّساء المصرياتِ، وشجَّعت فتياتنا على الالتحاق بركب المدنية والتقدم، ومن الإنصاف أن نعترفَ بما للصحافة المصرية من الأيادي البيضاء في إبراز دور المرأة المصرية، وتسليط الضوء على نجاحها العلمي والعملي والاجتماعي.
كان نجاح المرأة المصرية فيما مضى مقصورًا على البيت، ولم يكن يُستدلُّ عليه إلا بما بذلته الزوجة من جهد مع زوجها، وبمن أنجبتهم من نابغين ونابغات، دون أنْ يكونَ لدينا نماذج محددة من النسوةِ الناجحات في العصر الحديث، ولا نستثني من ذلك إلا سيرةَ أمهاتِ المؤمنين والصحابيَّات رضي الله عنهنَّ.
والحقيقة أنَّ المرأة المصرية في بيتها مدبرة، وفي عملها ماهرة، وفي ميدان العلم أستاذة ومفكرة، يَسأل عنها الحكيمُ في الأزمات، ويبحثُ عنها الخبيرُ في الملمات، وإذا اعترَت الوطنَ شِدَّةٌّ، أو انتابته ضائقة، تراها تتحدَّى بمفردها الصعوبات، وتسجل أعمالها بتواضعٍ في سجل البطولات.
ولمَّا تغيَّرَ الزمنُ، وأصبحَ الرجلُ والمرأة يواجهان ظروفًا اقتصادية واحدة، وتحديات اجتماعية سائدة، وضعت المرأةُ المصريةُ يدَها في يدِ الرجلِ، وشاركته في بناءِ الأسرة وتأسيس المنزل، حتى حملت معه النِّصفَ في تجهيزات بيت الزوجية، ثم انطلقت بعدَها تعملُ في بيتها، مربيةً لأبنائِها، وطبيبةً تعالجهم، ومعلمة تدرسهم، وطباخة تطعمهم، وفي كل ملمح من ملامح الحياة تحيط أسرتها بالعناية، وتشملها بالرعاية.
إنَّ الزواج غريزة وفطرة، ولكنَّ تطبيق الفطرة في زماننا بات يحتاج إلى قاعات فاخرة، وحفلات ساهرة، وملابس مبهرة، وقبل ذلك شَبْكة ومجوهرات، وبعد ذلك شَقَّة وأثاث ومفروشات، ولن أحدثك عن غلاء المهور، وإلَّا وَقَعنا في المَحذور، ولن أحدِّثكَ أيضًا عمَّا تعلمه من خِطبة تستمرُّ السنوات، وخوف الآباء على البنات، وانشغالهم بالتدقيق والتوثيق، ليس توثيق عقد الزواج فحسب، ولكن توثيق أيدي الزوج الذي سيبدأ حياته الجديدة مكبَل اليدين، لايدري كيف السبيل وأين؟
الخلاصة إنَّ الزواجَ لم يعد سهلًا، فمِن إنفاقٍ فيما لايفيد، إلى اتِّباعٍ لكلِّ جديد، أصبحنا ننفق الأموال، ونسرف في الأعمال، إلى أنْ بدأ المجتمع يشعر بصعوبة الزواج، أو قُلْ بدأ يشعر بصعوبة توفير نفقاته ومتطلباته، ويبدو أنَّ قضية تكاليف الزواج لفتت انتباه الدعاة، فانطلقت ألسنتهم من على المنابر تدعو للمقبلين على الزواج بالتيسير.
لا أعرفُ كيف تحوَّل الزواجُ من حدثٍ عاديِّ يمرُّ به الإنسانُ، بوصفهِ مرحلةً من مراحل حياته العمرية والاجتماعية، إلى عبءٍ يحتاج إلى سنواتٍ من التوفير، وشهور من التدبير؟ ولماذا ضاقت منازلنا بزوجين جديدين في غرفة من الغرف؟ فتأبى العروس ــ أو يأبى العروسان معًا ــ إلَّا شقة جديدة مستقلة منذ البداية؟!! أفكار جديدة طرأت على ثقافتنا، فتغيَّرت معها نظرتنا، لم يعد نموذج "فاطمة تعلبة" الذي قدمه مسلسل الوتد، مقبولا في زماننا.
والنتيجة الحتمية لارتفاع تكاليف الزواج هي إحدى ثلاث نتائج، أولها تأخر سنِّ الزواج، أو ما يسمَّى بعُنوسة الفتيات، والثانية كثرة الطلاق الناتج عن عدم استقرار الحياة الأسرية المكبلة بقيود الدُّيون منذ بدايتها، إلى أنْ بات لدينا حوالي ستة ملايين حالة طلاق، أمَّا الثالثة ــ وقد بدأت تزداد شيئًا فشيئًا ــ فهي الزواج من غير المصريات بدعوى انخفاض تكلفة الزواج، أو بدعوى أنَّ الزوجة الأجنبية مدهشة بصفاتها الجميلة.
إنَّ تيسيرَ الزواجِ أمرٌ ينبعُ من الفضيلة الرَّاسخة في النفوس، ويقوم في البداية على حسن الاختيار، فبينما تنطلق أجهزة الدولة عبر وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر إلى التوعية بتيسير الزواج، فإنَّه ينبغي للمجتمع أيضًا أنْ يتحملَ مسئوليته كاملة، وينبغي للقيادات الشعبية أنْ تقوم بدورها كاملًا في التوعية بعدم المغالاة في المهور، والسعي للإصلاح بين الزوجين حرصًا على تماسك الأسرة وعدم تفككها، وحتى لا نرى هذا العبء الكبير الذي أثقل كاهل المحاكم المصرية من قضايا الأسرة.
المشكلاتُ الاجتماعية على نحو خاص، تتميز بأنَّ أفضلَ أسلوبٍ للتعامل معها هو أن نتجنَّبها منذ البداية، لأنَّك مهما عالجتها فلن تعالج منها إلا آثارها وأضرارها، ورغم سعيك الحثيث إلى الحلِّ ستبقى المشكلة قائمة، وستظلُّ الصورةُ قاتمة، ولذلك فإنَّ حسن الاختيار من البداية هو أسلم الطرق؛ حسن الاختيار في التعليم، فتختار الفتاة تخصصًا له علاقة بالفرص الوظيفية و العمل، حتى لا تشكو بعد ذلك من البطالة، وهي التي اختارت تخصصًا لا علاقة له بسوق العمل، ثم حسن الاختيار في الزواج، فليس من الحكمة التعجل في اختيار زوج غير مناسب، والإجهاز عليه بمهر ثقيل؛ بدعوى تقييده؛ لأنَّ التجارب علمت الجميع أنَّ قضاءَ أيَّامٍ في التأنِّي والاختيار خَيرٌ من قَضَاءِ سَنواتٍ في البكاءِ خلفَ السِّتار.
الفتاة المصرية ـ أو الزوجة المصرية باعتبار ما سيكون ــ هي أغلى ما لدينا، لذلك ليس من الطبيعي للفتاة وقد قضت مسيرة علمية طويلة أن تقفَ طويلا في طابور الانتظار، انتظار الوظيفة، أو انتظار الزواج، وليس من الطبيعي للفتاة التي واصلت هِمَّتها في التعليم والعمل والبيت، أن تواصل همتها بعد ذلك في محاكم الأسرة ودوائر القضاء، بل ليس من المعقول أن تتحولَ صورة المرأة المصرية من نموذج يُحتذى به عالميًا في الأناقة والرُّقي، إلى نموذج في الطلاق والتفكك الأسري، وقضايا المحاكم، بسبب مغالاتها فيما تطلبه قبل الزواج، أوتشددها في التعامل مع زوجها بعد الزواج
أكَّدت الدراما التليفزيونية على صورة مثالية للزوجة المصرية، بدت فيها دائمًا امرأة رقيقة أنيقة، صَبورة وَقُورة، ذكية قويَّة، عَالِمَة وَمُعَلِّمة، هل أدلَّك على مثالِ في عالم الفن؟ السندريلا سعاد حسني، في مسلسل " هو وهي"، المسلسل الشهير الذي شاركها بطولته الفنان أحمد زكي ــ رحمهما الله ــ لقد نجحت في تصوير شخصية الزوجة المصرية محافظة على جمالها ورقَّتِها رغمَ اجتهادها الكبير في أعمالها المنزلية، ورغم جديتها منقطعة النظير في وظيفتها خارج المنزل، أمَّا على مستوى واقعنا المعيش فالقائمة تطولُ لتضمَّ مئاتِ الآلافِ من الزوجاتِ بل الملايين من المصريات الناجحات، من جيل أمهاتنا، جيل الصابرات المكافحات، جيل الأمهات المثاليات.
ليست الزوجة المصرية "نكدية"، وليست عنيفة أوهمجيَّة، وليس صحيحًا ما يُقال من أنها تنفق دون رويَّة، وليست بعيدة عن واقع حياتنا المعيش، بل هي مركز الأسرة والمجتمع، وداعمة حياتنا إلى الرقي والمدنية، تعيش في منزلها طوال اليوم حياة تراجيدية بين عنصري الحب والتضحية، حبِّ أسرتِها، والتضحيةِ من أجلها، تحاول أنْ تقتنص لحظات السعادة في يوم مزدحم بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وما لحظاتُ السعادة عندها إلا صورة في التليفون، أو مشهد في التليفزيون، يالتواضع الزوجة المصرية وبساطة أحلامها! وهي على ذلك تبتسمُ في وجهِ أبنائها، وتبعثُ في نفوسهم الأملَ المشرقَ بالحب والحنان.
وأعجب ما في الزوجة المصرية إنك تراها في بيتها وقد أعلنت حالة الطوارئ المنزلية كالجندي في المعركة، تقف خلف لوح من الرخام في المطبخ، تنتظر عودة أفراد أسرتها لتلبي لكلٍّ منهم حاجته، هذا يريد الثياب، وهذه تريد الطعام والشراب، هذا يريد الراحة، وهذه تريد الاستجمام والاستراحة، يعود أفراد أسرتها إلى البيت قليلا ليقضوا احتياجاتهم ثم يخرجون، وقد تحقق لكل منهم ما أراد، تراها طفلة مع أطفالها، ترى العالم برؤيتهم، ومراهِقة هي مع أبنائها المراهقين والمراهقات تعاني أزماتهم وتعالج مشكلاتهم، وراشدة هي مع أبنائها الراشدين، ياللعجب!! كيف تتمثل الزوجة كل هذه الأدوار؟ وكيف تتقمص كلَّ الأعمار؟
هذه هي الصورة الحقيقية للزوجة المصرية التي ينبغي لها أن تنطبع في أذهاننا، بعيدًا عن دراما العنف التليفزيوني، وبعيدًا عن مشاهد الطلاق في مسرحيات محاكم الأسرة، فأيُّكم يأتيني بزوجة مصرية؟؟!!