هل انتهى بريق الإعلام الإقليمي في الصعيد؟
صوت الصعيدبقلم د. هادي حسان :
مذيع ومقدم برامج بإذاعة شمال الصعيد بالمعاش.
وخبير الإعلام التنموي والمحاضر بالجامعة...وأحد مؤسسي إذاعة شمال الصعيد.
يعد الإعلام الإقليمي، أحد الدعائم الأساسية التي ساعدت في تعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية للمناطق المختلفة داخل مصر، بما في ذلك صعيدها. على مر العقود، كان الإعلام المحلي في الصعيد جزءًا من الحياة اليومية للعديد من سكانه، حيث مثل صوتهم على المستوى المحلي والوطني
. لكن مع تطور التكنولوجيا وظهور الإعلام الرقمي، بدأت تساؤلات عدة حول ما إذا كان بريق الإعلام الإقليمي في الصعيد قد بدأ في الانطفاء أم أنه ما زال يحتفظ بمكانته في ظل المتغيرات الحديثة.
وعلى الرغم من أن الإعلام في مصر كان يتركز بشكل كبير في العاصمة القاهرة، فإن الإعلام الإقليمي في صعيد مصر بدأ في الظهور تدريجيًا خلال منتصف القرن العشرين. فقد كانت هناك مجموعة من الوسائل الإعلامية تم إنشاؤها في صعيد مصر شماله وجنوبه في الفترة من عام 1982م حتي عام 1992م وهي إذاعة شمال الصعيد بالمنيا وتخدم محافظات الفيوم بني سويف والمنيا وأسيوط ثم إذاعة جنوب الصعيد من أسوان وتخدم سوهاج وقنا وأسوان والبحر الأحمر، وكذلك تليفزيون شمال الصعيد وتليفزيون جنوب الصعيد بجانب صحف إقليمية ومجلات تهتم بقضايا الصعيد وتنقل أخبار وقضايا المنطقة
وكان الإعلام الإقليمي يسهم في تعزيز الوعي المحلي، من خلال تقديم الأخبار والتغطية الإعلامية التي تتناول التحديات التي يواجهها أهل الصعيد، مثل مشكلات الفقر، التعليم، والصحة، وأيضًا مظاهر التراث الثقافي والفني.
لقد أحدثت الثورة التكنولوجية في وسائل الإعلام تحولًا هائلًا في مشهد الإعلام على مستوى العالم، بما في ذلك في مصر. فظهور الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية قد أحدث تغييرًا جذريًا في طريقة استهلاك الأخبار وأصبح بإمكان أي شخص في الصعيد، بل وفي أي مكان في مصر، متابعة الأحداث المحلية والعالمية في الوقت الفعلي عبر هواتفه الذكية أو من خلال مواقع الإنترنت.
وقد قابل الإعلام الإقليمي في صعيد مصر مجموعة من التحديات منها:
- التنافس مع الإعلام المركزي: هناك هيمنة واضحة من وسائل الإعلام التي تبث من القاهرة، سواء كانت القنوات الفضائية أو المواقع الإلكترونية. وتواجه وسائل الإعلام المحلية تحديات في جذب الجمهور المحلي بسبب اختلاف مستوى الإنتاج وجودة المحتوى.
- الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي: الصحف والمجلات التقليدية التي كانت تحظى بشعبية في الصعيد بدأت في فقدان مكانتها، حيث أصبح الناس يفضلون متابعة الأحداث عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، والتي تقدم محتوى متنوعًا وسريعا .
وعلي الرغم من التحديات، لا يمكن القول إن بريق الإعلام الإقليمي في الصعيد قد انتهى تمامًا فإنه ما زالت هناك عدة عوامل يمكن أن تساهم في استمرار دور الإعلام الإقليمي في المنطقة، ومنها:
- الاحتياجات المحلية الخاصة: الإعلام الإقليمي يظل قادرًا على تقديم محتوى متخصص يعكس خصوصية الصعيد وقضاياه المحلية. هناك العديد من الموضوعات التي قد لا تجد اهتمامًا كافيًا من الإعلام المركزي مثل التقاليد المحلية، القضايا الزراعية، المشروعات التنموية، وأوضاع المجتمعات الريفية.
-الاهتمام بالمحتوى المحلي: بالرغم من هيمنة الإعلام الرقمي، إلا أن الإعلام المحلي يمكن أن يظل له دور كبير في نقل الرسائل التي تعكس اهتمامات واحتياجات المجتمع المحلي فالتقارير الإخبارية والبرامج التي تهتم بقضايا الصعيد قد تظل جذابة للمشاهد والمستمع المحلي.
- الاستفادة من الإعلام الرقمي: العديد من القنوات الإقليمية والإذاعات والصحف المحلية بدأت في تبني تقنيات الإعلام الرقمي لتوسيع نطاق جمهورها، عبر منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. بهذه الطريقة يمكن للإعلام الإقليمي في الصعيد مواكبة العصر الرقمي والمنافسة على تقديم محتوى رقمي مبتكر.
إن مستقبل الإعلام الإقليمي في الصعيد لا يعتمد فقط على محطات إذاعية أو قنوات تلفزيونية محلية، بل على قدرة هذه الوسائل على التأقلم مع التغيرات التكنولوجية ومتطلبات الجمهور فالإعلام الرقمي يتيح فرصًا جديدة لبناء شبكات إعلامية محلية تواكب العصر، بحيث يمكن إنشاء منصات إخبارية محلية أو مدونات وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تركز على نقل الأخبار والمعلومات المتعلقة بالصعيد.
كما أن هناك فرصًا كبيرة للاستفادة من المحتوى المحلي الفريد الذي يقدم نظرة أعمق على حياة الناس في الصعيد، مثل القصص الثقافية والفنيةوالسير الذاتية التراثية والمبادرات المجتمعية، والحكايات التاريخية التي تسلط الضوء على ملامح من حياة أهل الصعيد. يمكن لهذا النوع من المحتوى أن يجذب جمهورًا واسعًا سواء من داخل مصر أو من خارجها، مما يساهم في إبقاء الإعلام الإقليمي في الصعيد حيويًا وذو تأثير.
وختاما .. نقول للجان التي تجتمع الآن لنقل تبعية الوسائل الإذاعية المسموعة والمرئية للمحافظات تخلص الهيئة الوطنية للإعلام منها إنه لا يمكننا القول بأن بريق الإعلام الإقليمي في الصعيد قد انتهى بشكل قاطع بل إن التحديات التي يواجهها هذا الإعلام كبيرة، لكنها ليست صعبة ويمكن التغلب عليها
فالإعلام الإقليمي في الصعيد لا يزال يحتفظ بقيمته كوسيلة لنقل القضايا المحلية وإلقاء الضوء على مشاكل وأمال الناس في تلك المنطقة في عصر الإعلام الرقمي، قد تكون فرص التطور والنمو أكبر من أي وقت مضى، إذا ما استطاعت وسائل الإعلام الإقليمية تبني استراتيجيات مبتكرة تكفل لها مكانة مهمة في المشهد الإعلامي .