من حكايات الجوهرة المكنونة


بقلم -محمود طلبه الفار:
كنت من عشاق القاهرة القديمة وسأظل،وماتزال أسعد لحظاتى هى تلك التى أقضيها متجولا متأملا بين خلق الله وفى وجوه البشر وطلة الأماكن الذاكرة السجل فى مناطقها القديمة والتى اتمنى حمايتها من أى عبث لتظل بعبقها الذى يربط الروح بها
وكنت فى غاية السعادة عندما عثرت على كتاب"خريدة القاهرة"الذى يحكى فى سلاسة وبساطة آخذة عن المعالم التى أعشقها فى قاهرتى القديمة،وقد كنت صحبة أخوى منذ ايام قليلة فى الدرب الأحمر وباب الوزير والغورية وحوش قدم وكانت البداية عندما توقفنا عند باب زويلة وتأملنا المكان الذى كان يعلق عليه المشنوقين ونحن على بعد خطوات قليلة جدا من جامع الصالح طلائع الذى يكون على يسارك فور خروجك من باب زويلة ،رغم أن أحد الخبراء رأى أنه موقع شديد الخطورة وأن"طلائع"نفسه ندم على اختياره لأن أى مهاجم للقاهرة سيمكنه إعتلاء الجامع وإستخدامه فى تدمير سورها الجنوبى ثم إقتحامها،
فمن هو هذا الصالح طلائع بن رزيك الذى كانت حياته من بدايتها إلى انتهاءها عبارة عن نبوءة،وتحمل القصة ضمن آلاف القصص التى ربما هى من منحت أديبنا الأكبر العم نجيب محفوظ هذا الزاد من الحكى وعبقرية السرد حتى قدره الغرب تقديرا ومنحه أرفع جوائزه فى عالم الأدب لتحقق لإسمه الخلود الذى يستحق
وتحمل القصة وجها شعبيا إلى جوار الوجه الأسطورى فضلا عن الوجه التاريخى العلمى الذى يعرفه علماء التاريخ ويدرسونه فى الاكاديميات العلمية على نحو وبملامح ربما تختلف عما يسرد على المقاه وفى كتب السير الشعبية وفى مطولات القصص الشعبى التى كان يحكيها المغنون والشعراء منذ أزمنة سحيقة
وهذه الاوجه التى تقول لك أنك إمام اقدم عواصم العالم وأنه لايمكن ليد من يريد التحديث أن تمحو معالمها مهما فعلت وأزالت وأبقت ربما لأنك تجد نفسك فى مواجهة آلاف القصص التى تروى عبر تاريخ ممتد كنهر النيل الذى يحمل فى مساره آلاف الحكاوى والاحداث كما أن للحكاية الواحدة اكثر من وجه
وما عرفته عن عمنا"الصالح طلائع" أنه كان شيعيا ملتزما ويقولون أنه زار مرقد الإمام على بالنجف الأشرف وفى اليوم التالى للزيارة فوجئ بإمام المرقد يناديه ويخبره بأن الإمام على"كرم الله وجهه"جاءه فى المنام وأمره أن يبلغ طلائع أن الإمام ولاه حكم مصر!! وإذا بصاحبنا يصدق ما قيل له ويعود للقاهرة وينتظر حتى يصبح حاكما"لمنية بنى خصيب" وهى التى تعرف الآن بإسم "المنيا".ثم بالفعل تحقق حلمه عندما أستدعى للقاهرة بعد إغتيال الخليفة"الظافر" ثم أصبح وزيرا لمصر وحاكما لها فى خريف الدولة الفاطمية ،وقد عمد أيضا إلى نشر هذه المقولة وإذاعتها فى كل مكان تأكيدا على أن حكمه جاء بإختيار إلهى !!
وفى ذلك الوقت كان الصليبيون قد وصلوا إلى عسقلان وأصبح رأس الحسين عليه السلام فى خطر لأنه أصبح من الوارد أن ينبش الصليبيون المشهد الذى دفنت فيه الرأس الشريف نكاية وإنتقاما من أحفاده الفاطميين،وما حدث أن إستعادة رأس الحسين من أيدى أعداء الله اصبح هو الموضوع الذى يشغل فكر الناس وحديثهم وإهتمامهم،وإنشغل الناس بالمفاوضات المتعلقة بهذا الأمر مع الصليبين ومقدار الفدية الواجب دفعها لعودة الرأس ثم ماتلى ذلك من إحتفالات شعبية بعودة الرأس
كما كان من المعروف أن الصالح طلائع هذا قد أنشأ جامعه لكى يدفن فيه رأس الحسين لولا رفض الخليفة الفاطمى وكبار أمراء البيت الفاطمى لأن الخليفة وقتها كان طفلا لا يعرف شيئا!!!
,وأصر الأمراء جميعا أن يدفن الرأس فى القصر الشرقى الكبير،وهناك مقولات شعبية لا سند لها أعرفه حتى الآن تذكر أن الصالح قد إتفق مع الخليفة على أن يتم غسل الرأس الشريف فى جامعه ثم يدفن فى القصر فى نفس الموقع الذى يشغله حاليا مسجد الحسين، ثم ظهرت حكاية اخرى عن الخشبة التى غسل رأس الحسين عليها والتى حظيت بتكريم شديد من الصالح طلائع حتى إنه علقها فى صدر الرواق المواجه للداخل من الباب مباشرة ومما يزيد من رواج هذه الفكرة أن ثمة خشبة معلقة إلى اليوم فى ذلك المكان فعلا!!؛
وهى أول ما يواجه الزائر فور دخوله من باب الجامع...وهى معلومات قيمة عرفتها من كتاب"خريدة القاهرة" ذلك السفر الرائع الذى يقص بإسلوب رشيق حكايات عن معالم القاهرة القديمة لمؤلفه الرائع"حامد محمد حامد"..
وهكذا نرى أن الصالح طلائع هذا قد حقق كل ماكان يحلم به منذ أن وهبه الإمام على نبوءة حكم مصر ثم تمكنه من إسترداد رأس الحسين سيد الشهداء مما يحصنه ضد أى مساءلة عن أفعاله!!التى تتناول بعضها حكايات شعبية قديمة عن بيع المناصب وجمع الأموال والنهب وإحتكار البضائع والغلال وسجن من يشاء على إعتبار أنه مؤيد من السماء فى كل أفعاله أو هكذا هيأ له من حوله من مقربيه
ورغم ذلك إنتهت حياته بمؤامرة فى القصر الشرقى الكبير ولم تحمه نبوءة على أو رأس الحسين كما قال مؤلف كتاب"خريدة القاهرة"السعودى"حامد محمد حامد" والخريدة هى الجوهرة المكنونة التى لايمكن أن تبوح بكل أسرارها ويقصد بها القاهرة القديمة وهو من اجمل وأمتع ماكتب عن تاريخ وحكاوى وأسرار القاهرة القديمة دام عزها وتقدس إسمها ونصرها الله على حوادث الزمان وكيد الحاقدين والكارهين لإسمها وتاريخها...