مـأدبة الـرحـمن
بــقــلـم - د.محمود العبد حسن :
الصراع بين الحق والباطل سنة كونية،فالصراع بين الحق والباطل والشر والخير قائم ودائم وقديم،يبدو الباطل غالبا عالى الصوت،ذائع الصيت ،سريع الأنتشار،عميق التأثير،متعدد الحيل،متنوع الأساليب،يخطف الأبصار،ويجذب العقول،النصر حليفه فى غالب الجولات، لكن دوما نؤمن ان الحق سينتصر فى النهاية،ويعلو الخير فى خاتمة الزمان.
فهيهات هيهات أن الباطل مهما علا صوته وكثر أعوانه وزاد مؤيدوه؛جلهم منتفعين منافقين،ان يظهر أو يعلى،فبمجرد نظرة فاحصة متأنية ومدققه؛تظهر حقيقته؛عاريا ضعيفا،بعيدا عن الصواب والحقيقة.
تعرضت الشرائع السماوية عبر تاريخها لموجات من الأتهامات،وحملات من التشويش،وألوان من التطاول،وكثير من الحروب والصراعات،كان للأسلام فيها أكبر نصيب،بوصفه خاتم الرسالات،واخر حلقه فى سلسلة الأتصال بين السماء والأرض.
منذ ألف وأربعمائة وسته وأربعون عاما، والاسلام مستهدف،يتربص به الأعداء،ويحيط به الحاقدين والناقمين والكارهين ومعهم بعض المسلمين الجهله بقصد أو عن سوء فهم.
القرآن الكريم كان فى قلب الهجمه واستحوذ على عدد لأباس به من سهامهم وألصقوا به شبهاتهم ،ولما لا فهو معجزة الأسلام الباقية وكلام الله المتعهد بحفظه.
اتفق العلماء على أن لنزول القرآن ثلاث مقاصد:هداية للثقلين؛معجزة عظمى لتأييد النبى صلى الله عليه وسلم؛والثالثة يتعبد الله خلقه بتلاوة كلامه المقدس.
نأتى الى المقصد الثالث المتضمن أن يتعبد الله خلقه بتلاوته وتقربهم اليه،ويجرهم الى ساحة قدسه لمجرد ترديد الفاظه ولو من غير فهم،فإذا ضموا الى التلاوة فهما،ازدادوا أجرا على أجر،فهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه فى الحديث القدسى:من شغله القرآن عن ذكرى ومسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله عزوجل على خلقه.
ويقول رسولنا الكريم صلوات ربى وسلامه:إن هذا القرآن مأدبة الله فأقبلوا من مأدبته ما أستطعتم...
وفى الأثر روى عن الأمام أحمد بن حنبل أنه قال :رأيت رب العزة فى المنام،فقلت:يارب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال:كلامى يا أحمد،فقلت :يارب بفهم أو غير فهم،فقال:بفهم أو بغير فهم.
هذه خصوصية وميزة أمتاز بها القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية السابقة،وأنفرد بها لحكمه سامية وفائدة عظيمة،فأجر التلاوة عامل مهم وأساسى من عوامل المحافظة على القرآن الكريم وبقائه مصونا من التغيير والتبديل،اللذين أصابا غيره كالتوراه والأنجيل ولو من غير تفهم من شأنه أن يحبب إلى الناس تلاوته وحفظه ويدفعهم إلى الأكثار منها،حيث أن أنتشار القراءة والقراء والحفاظ يجعل القرآن كثير الدوران والتداول على الألسنه واضح المعالم فى جميع الأوساط والطبقات،مما يتعذر معه حدوث أى تغيير فيه وإلا لقى أشد العنت من عارفيه.
للقرآن الكريم فوائد جمة ومناقب كثيرة،اهمها إيجاد وحدة لغوية تعزز وحدتهم الدينية،وتيسر وسائل التفاهم والتعاون والتواصل بينهم،فتقوى صفوفهم وتعظم شوكتهم وتعلو كلمتهم،وتلك حكمة وسياسة ربانية،ولقد نبغ وبرع فى القرآن وعلومه كثير من غير العرب،وخدموا الدين والأسلام خدمة عظيمة.
إن استدراج القارئ الى التدبروالأهتداء بهديه عن طريق اترغيب والتشويق،فاليوم تقرأه وأنت غافل عن معانيه وغدا ستكون لها ذاكرا،وبعد غد يتخذه سبيلا ومنهجا.
يقول ابن عطاء السكندرى:لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه؛لأن غفلتك عن وجود ذكره الأشد من غفلتك فى وجود ذكره،فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة،ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور،ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور.
شهر رمضان كان شهر القرآن ففيه تنزل،تنزل القرآن على ثلاث تنزلات وهى:الأول:الى اللوح المحفوظ ؛ والثانى:لبيت العزة فى السماء الدنيا؛والثالث:هبط به الوحى الأمين الى نبينا محمد صلوات الله عليه.
فى رمضان هذا العام احسن شيخ الأزهر احمد الطيب وأضاف إلى مناقبه الجليلة فى خدمة امته وقضاياها،والذود عن دين الأسلام ورسوله،منقبة جديدة أن اعاد للأزهر مكانته وبريقه ووفر له علماء مخلصين لله ولدعوته،فعمد هذا العام على ان يقرأ القرأن فى صحن الازهر علماء قراء حفظة لكتابه مهره به وباحكامه وبالعشر قراءات .
فكان منهم النابغه الأزهرى محمد أحمد حسن الطالب بمعهد أبو قير الثانوى الأزهرى الذى أبهر الجميع بصوت عذب جميل برواية قنبل عن ابن كثير، وتبين أنه من مشروع أزهرى يرعاه فضيلته ليكون أمتداد لريادة دولة التلاوة المصرية.
