بــقــلـم- د.محمود العبد حسن :

تكلمنا فى مقالنا السابق عن رؤية بعض العلماء أن الموارد فى الكون شحيحة لا توافى الزيادة السكانية،مما يوجد التنافس فى حده الادنى،او ينذربخلق الصراع او التقاتل فى حده الاعلى،مماينشأ حقوق على الافراد وواجب على الحكومات والدول.

يطرح عالم التنمية الامريكى الشهير "ستيفن كوفى" رؤية اخرى لعقلية الوفرة فى كتابه الاكثر مبيعا "العادات السبع للاشخاص ذوى الفاعلية العالية" وفيه يقول:"أن الأشخاص الأكثر نجاحا هم من يعتقدون أن هناك كثيرمن الموارد والنجاحات لمشاركتها مع الأخرين"،ويقارن ذلك مع عقلية ذى الندرة ؛والذين يتميزون بانهم اصحاب طابع تنافسى مدمر وصراع قاتل.

اصحاب عقلية الوفرة يرون ان فوز احد الاشخاص لا يعنى بالضرورة خسارة الطرف الاخر،ولا يعنى بالمقابل فوز جميع الاطراف.

ويرى اصحاب تلك النظرية ان النجاح يمكن مشاركته مع الجميع،وعلى من لم يحالفه الحظ ان بستكمل سعيه ويطور مواهبه لينجح فى منافسه اخرى او عليه ان يتعلم ويستفيد من قصه النجاح ويجعلها ملهمه له ومصباح فى طريق سعية.
تقول نيكوليت ستينسن:إن عقليتك يمكن أن تؤثر بشكل جذرى على مسار حياتك.فتظهر الابحاث والدراسات المتواترة أن العقلية او الطريقه التى تفكر بها فى نفسك والعالم من حولك هى الطريقه الى تحكم مسار حياتك وترسم طريق نجاحك او فشلك؛وتظهر كيفية تعاملك مع القلق والتوتر وادرجه مرونتك مع مشاكلك .

وتؤكد هذا التوجه "كارولين كاستريلون" بقولها : "العقل هو كل شئ فما تفكر فيه تصبح عليه".وجاءت ابحاث جامعتى بيل وميامى لتقول :"بأن اولئك الذين لديهم معتقدات أكثر أيجابية حول الشيخوخه عاشوا من خمس الى سبع سنوات اطول من أولئك الذين لديهم تصورات سلبية عنم الشيخوخة.

وحين نتمثل عقلية الوفرة فى ديننا لوجدناه طائر يطير بجناحى التفاءل وحسن الظن،فالاسلام  يحث على زرع روح التفائل،ويدعو الى الايجابية ويتبنى حسن الظن،وينبذ التشاؤم والقنوط فهاهو سيدنا يعقوب يقول ناصحا لأبنائه ولنفسه:" يا بنى أذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إلا القوم الكافرين".وتمتلأ كتب السيرة والتاريخ عن قصص هؤلاء المتفائلين الذين تحققت احلام لهم كانت تبدو مستحيلة او ضرب من ضروب الخيال، وقصه الثلاث حمارين على تضعيف البعض لروايتها دليلا،حيث اجتمعوا معا وحلم كبيرهم انه سيكون يوما اميرا للبلاد ؛وسألهم  حاجتهم منه حينئذ ،فتمنى عليه احدهم امنياته ليعمل على تنفيذها متى أصبح  اميرا للبلاد، وسخر منه احدهم وطلب ان يركبه على الحمار بالمقلوب ويطوف به شوارع المدينه،فمرت الايام وتوالت السنون وتحقق للحَمار ما حلم وسعى له فاغدق على صاحب الامانى ونكل بالاخر كما تمنى منه.

ولعل قصه الاربعة الذين اجتمعوا فى صحن الكعبة وهم عبد الله بن عمر ومصعب بن الزبيرواخيه عروة ورابعهم عبد الملك بن مروان،فقال لهم مصعب :"تمنوا"؛ فتمنى مصعب ولاية العراق وتزوج سكينه بنت الحسين وعائشة بنت طلحه فنال ذلك،وتمنى عروة الفقه وأن يحمل عنه الحديث فنال ذلك،وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها،وتمنى عبد الله بن عمرالجنة، ولعله ينالها. 

جرت عادات بعض أهل بلدان الخليج على الافراط فى استخدام كلمه أبشر فى وجهه صاحب الحاجه دعما له وتشجيعا،ويؤلف شيخ الازهر"عبد الحليم محمود" كتيب صغير قبل وفاته اسماه "حسن الظن "، دعا فيه الى الافراط فى حسن الظن بالله لان الله عز وجل فى حديثه القدسى يقول :"أنا عن ظن عبدى بى،إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله".ويقول الصحابى عبد الله بن مسعود : قسما بالله ما ظن أحد بالله إلا أعطاه الله ما يظن وذلك لأن الفضل كله بيد الله عند تفسيره للأية " فما ظنكم برب العالمين". ولعل ما يبرز اهمية حسن الظن انه كان من اخر ما وصى به النبى المسلمين قبل وفاته بثلاثه أيام :"لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله.

 حسن الظن له صور كثيرة من اهمها حسن الظن بالله وحسن الظن بالناس ،فوائد حسن الظن كثيرة لعل من اهمها راحه للقلب وسلامه للصدروطهارة للنفس،وأغلاق باب الشر والفتنه على الشيطان الرجيم،وادعى لدوام المحبه بين الناس وصيانه للأعراض . 

هذه الكلمات ليست دعوة للتكاسل  والتواكل او توطئه لترك العمل انما ونحن فى ظروف صعية وأوقات عصيبة لابد أن نحيا ونحن نحسن الظن فى رب الكون،فهو الرزاق،الرحمن،الرحيم،الجبار،قادر على أن يزيل همنا ويفرج كربنا ويجبر خاطرنا ويصلح حالنا وحال بلادنا.