بــقــلـم - د.محمود العبد حسن :

شاءت ارداة المولى جل فى علاه ،أن يبنى الكون على  التنوع و الاختلاف وسنه التغيير والتطوير. 
التغيير والتطوير ليس فجائى او سريع انما هو بطئ ويتم بالتدريج وعلى مراحل  " مالكم لا ترجون وقارا وقد خلقكم اطوارا ". تلك الاطوار والمراحل متتالييه ومتابعه متى دار الزمن دورته ولم يقطعها فجأة هادم اللذات ومفرق الجماعات.

يقسم القرآن الكريم مراحل عمر الانسان الى سبعه اطوار وهى :مرحله الطفوله "يخرجكم طفلا"  "وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم" ؛ ثم ينتقل لمرحلة الصبا والفتوة "واتيناهم الحكم صبيا"  " سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم " ؛ ثم تأتى مرحله الأشد او القوة "حتى اذا بلغ اشده وبلغ أربعين سنه "؛

ويوشك القطار ان يصل لنهايته فتأتى مرحلة الكهولة "تكلم الناس فى المهد وكهلا" ؛ ثم تاتى مرحلة الشيخ "ثم لتكونوا شيوخا" وتدعى المرأة عجوزا فى نفس تلك المرحلة كما قالت ستنا سارة عند ردها على البشارة "وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا" " وقالت عجوز عقيم "؛

ثم تاتى خاتمه المراحل وهى مرحلة أرذل العمر او التنكيس "ومنكم من يرد الى ارذل العمل لكى لا يعلم من بعد علمه شيئا" " ومن نعمره ننكسه فى الخلق أفلا يعقلون".

تناول العلماء وخبراء التربية واختصاصى التغذية والطب تلك المراحل بالفحص والدراسه لكل مرحلة على حدة من النواحى الفسيولوجية والتشريحية والسلوكيه لتحديد الاحتياجات التربوية والعقلية والتغذوية والطبية لتلك المراحل.
 فترة الشيخوخة طور مزعج ويكدر صفو لحياة وتعيش بين ماضى لن يعود ومستقبل حتى لا تتمتع به ولذلك هى فترة الحسرة فى شعر العرب فقال الشاعر:
                ذهب الشباب فماله من عودة            وأتى المشيب فأين منه المهرب 
 وقال اخر:     ألا ليت الشباب يعود يوما                   فاخبره بما فعل المشيب 
وقال اخر : اه لو عرف الشباب  ... واه لو قدر الشيوخ.

التغيير والتطور ليس حكرا على عالم الانسان فقط انما يمتد ليشمل جميع الكائنات والمخلوقات الحية وربما الغير حية،وكما يمتد ليشمل المجتمعات والحضارات والدول ؛وان كانت فتراته الزمنيه ومدتها مختلفه.

متى بلغت الخمسين عاما (مرحلة الشيوخة) فانت بلغت مرحله كشف الغطاء، وتتراءى لك الحقائق التى كانت غائبة،ويتزايد معدل الفهم لامور كنت تجهلها،وتتغيير الأمزجة والطباع،وتتناقص القوة ويهجم عليك الضعف،ويتغير شكله ويشيب رأسه ويهزل جسده وتخور عزيمته وتبرز العروق ويفقد الجلد مرونته وليونته ويبهت لمعانه وتنهار قوة الحفظ للذاكرة.

حالتى مثل كثر ؛ منذ ان بلغت الخمسين انتابنى إحساس بأن جسدى شاخ وروحى ضاع شغفها،فما كان يسعدها بالأمس أصبحت لا تبالى به.

عشقت العزلة،وتعففت عن المشاكل وأصحابها وتجنبت الخلاف وأهله،لم أصارع أحدا إلا نفسى وغلبتنى كثيرا ونجحت فى ترويضها أحيانا،ولم اشتهى أن أعارك  ما لم  بد من عراكه. أصبح يسعدنى العطاء أكثر من الأخذ وبخاصة لصلة الارحام وأصحاب الحقوق.

تطيب نفسى بمن يحدثنى حديثا انتفع به او مجلس يذكرنى بالله،او قضاء حاجه او سعى لصلح بين ذوى الارحام.
تعلمت ان الحياة بنيت على السعى وليس المنتهى الوصول انما يكفى السعى.

عرفت أن الاخوة الصالحة والمحبة فى الله هى كنز حقيقى لمن يجده فى سعيه،فهى زاد ومطية ذلول فى طريق وعره ورحله شاقه. 
خاب وخسر من بلغ الشيخوخة ولم يتغير وظل فى ضلاله القديم وخصاله المذمومة وطباعه السوء .

فى تلك الرحله علمت أن السعى والمعرفه قرين؛لكن كل ذلك هباء منثورا متى لم يوافق ذلك قضاء الله وقدره وادركك توفيقه.
أنعم الله علىٌ وعليكم بطول العمر وجميل الأثر وحسن الخاتمة