الإسلام والديمقراطية ... اتفاق جوهري وتعارض شكلي
صوت الصعيدبقلم - أ.د.غيضان السيد علي:
يجب أن ننوه – في البداية – أن جل الباحثين في هذا الموضوع قد انقسموا إلى فريقين على طرفي نقيض؛ حيث يرى الفريق الأول أنه لا مجال مطلقاً للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية؛ لأن الإسلام يستعيض عن الديمقراطية بفكرة الشورى التي جاء بها الوحي المعصوم وتخضع لمعاييره وضوابطه، وتختلف الشورى عن الديمقراطية اختلافا جوهريا.
أما الديمقراطية الغربية فهي من ابتداع الفكر الإنساني الذي يخضع للتغيير والتبديل والتطوير، وهي كأي عمل بشري تعاني النقص وعدم الاكتمال؛ بل إن بعضهم تطرف في وصف الديمقراطية بأنها رجس من عمل الشيطان؛ لأنها تعني حكم الشعب للشعب، والحكم لا يكون إلا لله. وتعالت أصوات أخرى تصف الديمقراطية بمعناها الغربي بأنها "مدعاة للفوضى"!
أما الفريق الثاني فقد رفض وصف الفريق الأول للديمقراطية التي كافحت الشعوب من أجلها لتتخلص من الطغاة والمستبدين على أنها منكر أو كفر، فجوهر الديمقراطية-عندهم- من صميم الإسلام، والإسلام لا يرفض أو يحرّم اقتباس فكرة أو حل علمي من غير المسلمين، بل حبذ العكس ودعا إليه، وأن أعضاء البرلمان هم الصورة الإسلامية المعاصرة لأهل الحل والعقد. وأن الإسلام قد سبق كافة التشريعات المختلفة في إرساء معالم الديمقراطية من حرية ومساواة .
وبين هؤلاء وهؤلاء تبقى هناك فجوة كبيرة من الممكن أن يستغلها المتطرفون للهجوم على الدول وزعزعة أمن واستقرار البلاد؛ فكان لزاما علينا أن نبين تهافت هذه المعضلات وبيان التوافق الجوهري بين الديمقراطية والإسلام.
فالديمقراطية بمعناها الغربي تتفق إلى حد بعيد مع مبدأ الشورى الإسلامي؛ فطرح الأمور للتصويت ما هو إلا تفعيل عصري لمبدأ الشورى، فإذا اعترض أحد قائلاً إن في الشورى الإسلامية ليست كل الأمور مطروحة للتشاور فهناك ثوابت مطلقة، وردت بها نصوص قطعية محكمة. أما في الديمقراطية فليس هناك ما يسمى بالثوابت المطلقة، فالأمور كلها موضوعة للتصويت، فنقول له إن الأمة لا تجتمع على باطل، وأن الدساتير في جُل البلاد الإسلامية تجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. فلا معنى حينذاك لتلك السفسطة التي يتخذها المتطرفون ذريعة للفكر التكفيري بالزعم بأنه إذا تم- على سبيل المثال- وضع " إباحة الزنا" للتصويت في البرلمان الديمقراطي ونال موافقة لأصبح مباحا، وهذا ما لا يتوافق أبداً مع مبادئ الإسلام...فهذا لا يتفق أبداً مع مبادئ التشريع الإسلامي .. ومن ثم تبدو هذه المسألة مغالطة واضحة لابد أن يتفهمها الشباب فلا ينساقون وراء هذه الدعاوى الفاسقة.
كما لا يخفى التشابه بين نواب الشعب وأهل الحل والعقد فكلاهما يتم باختيار الأمة نتيجة لتعذر وجود الأمة كلها للتشريع واتخاذ القرارات المصيرية .
ومن ثم تبدو تلك المحاولات التي تظهرها الجماعات والحركات المتطرفة والتي تظهر تعارض الإسلام والديمقراطية لهي محاولات زائفة، وأن الديمقراطية من جوهر الإسلام، وأن من يرفضها باسم الإسلام فإن الإسلام برئ منه؛ فقد بات من الواضح للعيان أن الفصل بين السلطات لهو أمر ضروري للحد من جور الحكام واستفرادهم بالسلطة بشكل مطلق، وأن الانتخابات النزيهة هي الشكل المعاصر لأهل الحل والعقد، وكذلك يكون الانصياع للدستور من الأمور الأساسية القادرة على تخليص الأمة من الطغاة والمستبدين والإتيان بالحاكم العادل الذي يستطيع إقامة دولة العدل والمساواة وتطبيق الشرائع والقوانين، وأن التعددية السياسية أمراً مباحا لأن الدين الإسلامي يحترم الاختلاف ويقره.