الشاعر الكبير حزين عمر يكتب لـ صوت الصعيد”
صوت الصعيدوَطَن
هذا وطنٌ يمْقُتُ ذاتَهْ !!
يلفظُ آخِرَ نفَسٍ في أنفاسِ
صحابتِهِ ورفاقِ حياتهْ
تتساوي فيه شجونُ الصبحِ وأحزانُ مساءاتِهْ
ويُكِفكِفُ دمعَ الغرباءِ ، الأعداءِ ، اللُقطاءِ ،
ويأنفُ أنْ يجمعَ بعضَ عظامِ رُفاتهْ !
هذا وطنٌ يتعرَّي .. طولِ الدهرِ
ووحدي .. وحدي أستُرُ عوراتهْ !!
____
يتمشي ليلاً في كورنيشِ النيلِ
فلا تصدمُهُ أنَّاتُ الجوعي
بل يطربُ لنُواحِ ذليلِ
ويُقَهقِهُ إنْ يقعوا صرعي !!
ويصفِّفُ شَعْرَ السُّرَّاقِ
يدفِّئ تحتَ ملابسهِ الأفعي !
ويقدمُ غُزلانَ بواديهِ ضحايا
لذئابٍ في شرفٍ مهدورٍ ترعي
____
ذاتَ مساءٍ ممتدٍّ .. أبدَ الدهرِ
استجدي الأبناءُ فُتاتَ رغيفٍ
شُربةَ ماءٍ من نهرِ
فاشتطَّ مَغِيظَاً .. وأَبَي !
وانقلبَ أعاصيرَ ، ونيراناً ، شُهُبا !
وفئوساً شجَّتْ رأسَ التفكيرِ ،
التعبيرِ ، العلمِ ،
ومزَّقتِ الأَدَبَا !!
____
إذْ ذاكَ يقولُ ابنُ النيلِ * :
( وما أنتِ يا مصرُ دارُ الأديبِ
ولا أنت بالبلدِ الطيبِ )
وما كان يومُكِ غيرَ نعيبِ
وسُخْطٍ علي البائسِ المتعَبِ
تضيقين ذَرْعاً بمن نصروكِ
وضِرعُكِ يُضْحِي كما المُجْدبِ
تَغَّرَّبَ منهم ، ومنهم تَهَاوَى
ولو عُدَّ منهم مثيلُ النبي !!
____
.. ويظلُّ عقلي رامحاً في بِيدِ ذَمِّكْ :
مالي أنا إنْ سفَّهوكِ
وعيَّروكِ : أبوكِ أُمُّكْ ..!!
ثمراتُ نخلكْ
وشَهِيُّ نحلكْ
ليس لي
ما شُفتُ يوماً هَمَّ عُمري
قد أهمَّكْ !!
ويظلُّ عقلي جامحاً
بصهيلِ عَتبٍ .. لا لجامْ
حتي تناولهُ الفؤادُ .. وغَزَّهُ !
رجَّاً فتيَّاً رَجَّهُ
وتناوشتهُ ــ من الفؤادِ ــ سِهامُهُ
ورماحُهُ وسيوفُهُ
حتي استكان إلي الفؤادِ
فقال لهْ :
كُنْ كيفَ شئتَ فلنْ تكونَ
سوى شهيقٍ للوطنْ
إنْ فاضَ سيلٌ
أو تكالبتِ المِحَنْ
أو ناوشتْهُ ــ بالخواطرِ ــ
بعضُ أظفارِ الإحَنْ
إنْ لمْ يحِنَّ إليكَ حِنّْ
وامسحْ بدمعكَ ما يرينُ
بطرْفِ طرْف ثيابهِ
من شآبيبِ الفتَنْ
____
هذا وطنْ ؟؟!!
لا .. بل شُغافُ الرُّوحِ
إكسيرُ الحياهْ
وهو الأُبوَّةُ والبنوةُ والنبوةُ
والهوى في منتهاهْ
وهو القداسةُ عينُها
وعبادتي
بعدِ الإلهْ
* البيت المتضَمّن لحافظ إبراهيم